ما أن تخرج ليبيا من أزمة حتى تدخل في أخرى، سلسلة متتالية من الأزمات الحادة ،تلتقي أحيانا مع بعضها البعض ليزداد المشهد السياسي تعقيدا في ظل فشل منظمة الأمم المتحدة في تحقيق توافق بين كافة الأطراف يفضي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية و تشكيل حكومة جديدة موحدة على كامل التراب الليبي.
أزمة جديدة عنوانها العريض المصرف المركزي ، أطلت برأسها بخروج مجلس النواب في جلسة صوت فيها يقول مراقبون بأنها ” بنصاب غير مكتمل ” على اعتماد مخصص إضافي للميزانية العامة للدولة لعام 2024 بقيمة 88 مليار في خطوة رأها متابعون للمشهد الليبي تعميقا للانقسام السياسي في البلاد.
مراقبون لمجريات الأحداث يرون أن إعتماد مجلس النواب للميزانية جاء على خلفية تقارب بين رئيس المجلس” عقيلة صالح” ،ومحافظ مصرف ليبيا المركزي” الصديق الكبير” ، وتزامن مع تدهور في العلاقات بين المحافظ ورئيس حكومة الوحدة الوطنية ” عبدالحميد الدبيبة ”
تخوف حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبدالحميد الدبية مرده كما يقول الدبيبة ” التضييق على اجراءات تهدف إلى الارتقاء بالوضع المعيشي والاقتصادي “فيما يتهمها المصرف المركزي بأنها تقوم بصرف عشوائي دون قيد أو شرط أرهق ميزانية الدولة .
المجلس الأعلى للدولة رفض ما قام به مجلس النواب من اقرار قانون الميزانية العامة للدولة بقيمة 179 مليار دينار ، مؤكدا بأنه ” مخالف للاتفاق السياسي ،وتكرسيا للانقسام ولن يعتد بأي إجراء من طرف واحد ” حسب قوله.
ووجه ” الأعلى للدولة ” خطابا إلى مصرف ليبيا المركزي طالبه فيه ” بعدم تنفيذ قانون الميزانية على النحو الذي صدر به من مجلس النواب لعدم مشروعيته”
مجلس النواب قام بالغاء قراره بعد خمس سنوات بشـأن تكليف ” محمد عبدالسلام الشكري ” محافظاً لمصرف ليبيا المركزي عندما أصبحت مصالحه ومصالح المحافظ الحالي الصديق الكبير واحدة كما يراها مراقبون للشأن الليبي .
المحلل الإقتصادي عبيد الأحول يرى أن مجلس للنواب أصبحت قراراته عشؤائية دون دراسة أو تعمق في تصريح لوكالة ريبورتاج الإخبارية
وفي ردة فعل على مجلس النواب، أصدر المجلس الرئاسي قرارا بالاجماع بوضع قرار مجلس النواب رقم 3/ 2018م بشأن انتخاب محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي موضع التنفيذ، والذي يقضي بتعيين محمد الشكري محافظا للمصرف خلفا للصديق الكبير،
قرار الرئاسي مجتمعا أثار حفيظة كل من مجلسي النواب والأعلى للدولة ، اللذان رفضا القرار بعدم الاختصاص ومخالفة الاتفاق السياسي ، والتعدي على صلاحيات السلطة التشريعية وهو ما شجع المحافظ الكبير إلى رفض ما صدر عن المجلس الرئاسي معتبرا أن القرارين اللذين بني عليهما تكليف لجنة استلام المصرف المركزي، مخالفان للقانون ومنعدمين لصدورهما عن غير مختص في إشارة واضحة منه للمجلس الرئاسي .
وفيما أعتبر عضو هيئة التدريس بالجامعات الليبية ” رجب لمريض “، في تصريح لوكالة ريبورتاج الاخبارية ، أن العنوان الحالي للصراع في ليبيا هو المصرف المركزي ، وهو صراع دولي بأيدي محلية .
ورغم أن لمريض أوضح الحقيقة الذامغة وأعتبر ما يجرى في ليبيا ما هو إلا لعبة صراع بين روسيا وأمريكا في ليبيا ، فبينما تدعم الأولى حفتر وتتحكم في الجغرافيا والحقول ، نجد الأخيرة تتحكم رفقة حلف الناتو في المنطقة الغربية ، متمثل ذلك في النفط والغاز والعاصمة و المصرف المركزي”
ومع ذلك وديبلوماسيا رأت القائمة بأعمال البعثة الأممية للدعم في ليبيا ” ستيفاني خوري ” أن الإجراءات أحادية الجانب قد يكون لها تأثير خطير محتمل على مكانة ليبيا في النظام المالي العالمي مع عواقب سلبية ” بينما المبعوث الأمريكي الخاص ” ريتشارد نورلاند ” عبر عن دعم بلاده الكامل لمصرف ليبيا المركزي تجاه التهديدات التي تطال المصرف ، والمحافظة على استقراره، حتى يقوم بمهامه المناطة به على أكمل وجه.
ورأى ” لمريض ” ، أن مجريات الأحداث ” تقود إلى ثلاثة احتمالات ، بتمثل الأول في ايجاد تسوية تتضمن تشكيل حكومة مصغرة ، واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ، وتوحيد المؤسسات السيادية
أما الاحتمال الثاني الذي يراها لمريض نحو تحريض الأطراف المتصارعة بهدف السيطرة على العاصمة والحقول ، والدخول في حرب استنزاف كبيرة تكون نتائجها كارثية
وبينما يرى لمريض الاحتمال الثالث يتمثل في خروج الشعب إلى الشوارع في ثورة كبيرة تطرد كل من هم في المشهد، بدعم عربي وأمريكي” على حد قوله.
وتماشيا مع التصريحات الديبلوماسية حذر المبعوث الأميركي من أن محاولة استبدال قيادة المصرف بالقوة قد تؤدي إلى فقدان ليبيا الوصول إلى الأسواق المالية الدولية وهو ما يتوافق مع المفهوم العام لإدارة المصرف المركزي الحاليه نفسه .
ويلخص الناشط الحقوقي ” المبروك الغضيوي ” الوضع بهذه الكلمات والأقرب للواقع في تصريح لوكالة ريبورتاج، بالقول إن الليبيين لا رأي لهم في مثل هذه المواضيع ، واصفا ما يحدث بأنه زوبعة في فنجان.. مؤكدا أن هذه الزوبعة ستعود على المواطن بالسالب ، يرتفع الدولار ، وتزداد الحياة صعوبة” حسب قوله.