خاص ل ” رويبورتاج بقلم الأستاذ ( إبراهيم قرادة ) سياسي- سفير وكبير مستشارين سابق بالأمم المتحدة ( تنهيدة: مناوشات الحكم والمال تستدرج ليبيا إلى منزلق حرب دولية غامضة ومرعبة )

تقارير

الحرب الليبية القادمة ستكون أخطر وأصعب؛ فهل تكون ليبيا ساحة حرب دولية وإقليمية بالوكالة تستهدف وتبتدئ بجيراننا غرباً، وبالأخص الجزائر؟

وهل هناك تسابق وصراع دولي على موارد دول الساحل ومنها مالي والنيجر ، بالنظر إلى الحديث وجود احتياطات ضخمة من نفط ويورانيوم- وهذا يذكرنا بالصراع على شرق المتوسط الذي احتدم منذ سنوات.

بالنظر إلى تصاعد التوتر بين الجزائر والمغرب المدعوم من دول إقليمية مشرقية – حذرتها الجزائر رسميا- في ظل تغيير بعض الدول الغربية (الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا) لموقفها من قضية الصحراء الغربية لصالح الموقف المغربي، وفي ضوء مؤشرات على تناقض المصالح بين الجزائر وروسيا بسبب نشاطات الفاغنر في ليبيا والنيجر ومالي؟

وليس بعيدا عنا مكاناً وزمناً، تصادم قوات حركة تحرير أزواد مع الجيش المالي وشركائه من مرتزقة الفاغنر الروسية، وإلحاق خسائر جسيمة مذلة بهم، على مقاربة من الحدود الجزائرية المالية. مع التذكير بمعلومات متواترة عن وجود الفاغنر في ليبيا كقاعدة خلفية لتواجدها في دول “كونفدرالية” الساحل التي تشمل النيجر جارة ليبيا، ومالي وبوركينا فاسو. وحالة التعاطف والمساندة من طيف من طوارق وأمازيغ ليبيا مع حركة أزواد وضد الفاغنر، بجانب موقف عموم تبو ليبيا،،وبعض المناطق والقبائل العربية المضاد لمرتزقة الفاغنر.

وبالربط بتطورات في مشاهد المسرح الليبي والتي منها:

تحريك قوات شرق ليبيا بقيادة المشير حفتر- والتي تربطها مصادر معلوماتية دولية بارتباطها بالفاغنر ودول مشرقية- وتحركها نحو الجنوب الغربي الليبي وبقرب من الحدود مع الجزائر، مع مخاوف وتربص من تحويل واجهتها شمالاً نحو جنوب جبل نفوسه- طوق مدينة طرابلس.

تواصل التوتر في خط الحدود الغربية مع تونس والجزائر بين قوات وزارة الداخلية لحكومة الوحدة الوطنية في غرب ليبيا والمكونات المناطقية المجتمعية  وبالأخص الأمازيغ، والتي رغم من توالي واحتداد وشدة ضغط الحكومة أخفقت، وبل انعكست نتائجها سلباً على مصالح الناس والعلاقات مع دولتي الجوار، تونس والجزائر.

توالي اهتزاز وضعية حكومة الوحدة الوطنية في ظل تخارج عديد من وزرائها الأصليين منها، وتجاذب علاقتها مع المصرف المركزي.

تصدع المجلس الأعلى للدولة بين جناحين، أحدهما موالي لحكومة الوحدة الوطنية والآخر مناوئ لها. والمجلس هو الجسم التشريعي المستقر في غرب ليبيا، والمقابل لمجلس النواب المستقر في طبرق والداعم لحكومة شرق ليبيا الموازية.

تزايد التلويح والمحاولات باستحداث حكومة وطنية موحدة بديلة، بدعم من رئاسة مجلس النواب وأعضاء منه وجزء من المجلس الأعلى للدولة وأطراف في غرب ليبيا، وتقاومها حكومة الوحدة الوطنية وأطراف في غرب ليبيا.

تفاعل وتوتر علني غير مسبوق بين حكومة الوحدة الوطنية في غرب ليبيا والحكومة المصرية بسبب استقبالها لحكومة شرق ليبيا، لدرجة طلب مغادرة (طرد دبلوماسيي) دبلوماسيين من السفارة المصرية، والذي قد تعتبره الحكومة المصرية مصر صفعة غير متوقعة ولا مقبولة، وهي المحرجة والمجروحة من أحداث الحرب في غـ . ـزة.

أخبار عن محاولات حثيثة لإزاحة محافظ ليبيا المركزي، تُنسب لحكومة الوحدة الوطنية في غرب ليبيا.

توترات ميدانية متكررة في طرابلس ومحيطها، وآخرها في شرق طرابلس في تاجوراء وسوق الجمعة.

استعراض احتفائي سياسي لقوات شرق بمناسبة ذكرى 9 أغسطس لتأسيس الجيش الليبي بحضور المشير حفتر، ودور بارز لابنيه صدام رئيس القوات البرية وخالد رئيس القوات الأمنية (الحرس الرئاسي).

انقلاب المزاج العام ضد حكومة الوحدة الوطنية بسبب الضائقة المعيشية التي تعاني منها الشرائح المتوسطة والمحدودة الدخل، وهم اغلب الشعب. بجانب تبرم النخب السياسية والاجتماعية من الأداء الحكومي المتخبط الإقصائي والاحتكاري.

تصاعد واستشراء حالة التشظي والتفتت والانفلات الداخلية والبينية في عديد المناطق ضمن نهج “فرق تسد”، او تركز القبضة الأمنية الثقيلة في بعض المناطق، او إهمال بعض المناطق الأخرى، مما يجعل عديد المناطق تحسب اصطفافاتها وفق معدلات متقلبة، يصعب التعويل عليها.

تراكم موجات الهجرة الجماعية والاستقرار القادمة من جنوبنا الأفريقي، والتي قد توفر أعداد كافية ورخيصة من المحاربين المرتزقة الجاهزين للتورط في الصراعات الليبية القادمة.

تلك المناوشات الليبية تتناسى وتتغافل عن ما يجري بالمواكبة في العالم من صراعات إقليمية ودولية عصيبة ومتغيرة جذريا وغير مؤكدة التكهنات، ومن ذلك:

حرب غـ . ـزة المصيرية (أطول الحروب العربية الاسـ . ـرائلية) ذات التداعيات الزلزالية على الجغرافية السياسية لكل المنطقة من إعادة ترسيم خرائط وترحيل وتوطين جماعي.

فهذه الحرب التي أربكت وعرقلت مخطط مكلف ينفذ من 45 سنة منذ اتفاقات كامب ديفيد في 1978، منذرة باختلالات جيوسياسية وديمغرافية لم تشهدها المنطقة منذ اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916.

ظاهرة توسع حرب غـ . ـزة أفقياً لتغطي ساحتها المنطقة من إيران شرقاً إلى مصر غرباً ومن تركيا شمالاً إلى اليمن جنوباً، شاملة دول الخليج والشام والرافدين وشرق المتوسط.

تعقد الحرب الروسية الاوكرانية التي تقترب من سنتين ونصف دون آفاق بقرب انتهائها، وبالذات بعد هجوم القوات الأوكرانية المدعومة من الغرب وتوغلها في الأراضي الروسية، وهو حدث مهين ومستفز لروسيا، التي لم تشهد احتلال لأي من ارضيها منذ 1941 خلال الحرب العالمية الثانية من قبل قوات هتلر النازية. مما يدفع روسيا إلى توسيع دائرة الانتقام والصراع مع الغرب، ومن ذلك حول المتوسط وفي أفريقيا.

استطالة واشتداد الحرب الأهلية السودانية في شراستها وسعتها وضحاياها. مع تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين إلى جنوب شرق ليبيا، في مدينة الكفرة ومحيطها. والتي تؤججها وتغذيها تدخلات دول إقليمية مشرقية ومرتزقة الفاغنر الروس، وهذين الطرفين يتهمهما الجيش السوداني الرسمي بدعم قوات الدعم السريع- مع ملاحظة أنه في الساحة السودانية يختلف موقف الحكومة المصرية مع توجهات تحالفاتها الإقليمية.

كل هذا مع واقع الضبابية وشبه الشلل او ما يعرف بفترة البطة العرجاء التي ستمتد لقرابة الست أشهر السابقة والمرافقة للانتخابات الرئاسية الاميركية، مما يقيد الخارجية الأميركية المثقلة بأزمات الشرق الأوسط واوكرانيا ومع الصين، والذي قد يستغله لاعبون اصغر.

لعل في نموذج تجمد حالة الحرب وتأصل الانقسام في اليمن مثال في الصراع الداخلي المزمن بسبب صراع بين أطرافها  المدعومة من  دول هي إيران والسعودية والإمارات، والتي هي في حالة تحارب وتربص ومخاتلة في ارض اليمن وبالشعب اليمني المصاب منذ عملية عاصفة الحزم سنة 2015.

إن نشوب جولة جديدة من الحرب الليبية الليبية، لن تكون كسابقاتها في حجم شراستها ورقعة مداها ودرجة تعقدها، وستفرز أطراف وقوى ليست بالضرورة استنساخ لكل من هم مسيطرين اليوم.

فحالة الفوضى والتآكل والاندفاع القصيرة النظر التي تنتجها وتؤججها أطراف ليبية توقعاً وتأملاً في أنها فرصة لتكرار مكاسب المعارك والمغامرات والمقامرات الفائتة، إلا أن ما يفوتها هو أن توسع ساحة الحرب “العالمية” الراهنة وتورط جبابرة العالم فيها وانخراط قراصنة الدول فيها، يجعل سابق ما مضى لن يتكرر بالضرورة.

فلو نشبت حرب حقيقية في ليبيا، والاحتمالية الأكبر أن تبدأ في غربها أو جنوبها الغربي، فستشتعل كذلك في سرت وشرقها، ضمن تكتيك نقل الحرب إلى التخوم المتخاصمة، متجاوزة “الخط الأحمر”. فدول إقليمية مجاورة معينة لن تسمح بالاقتراب من حدودها دون التهديد بالاقتراب من حدود الغير. وبالمثل احتماليات حدوث تغيرات انقلابية، أو اختفاء مفاجىء يقلب كل توازنات واتجاهات عناصر المعادلة الليبية. وهذا نذير.

فإذا كانت اخر الحروب الليبية 19-2020 وذات الأربعة شهراً ضروساً، لكنها كانت حرب محدودة ومحددة الأهمية الدولية والإقليمية بالمقارنة بالقادمة، والتي قد تنهي وجود الكيان الليبي دون ان تنهي دوامة الصراع لمديات طويلة جداً.

هذه هي  الصورة الليبية في محيطها الإقليمي والدولي الذي لا يبدو أنه سينفرج في المدى القريب، وبالأخص ان أغلب الفاعلين الليبيين غير مدركين له ولا راغبين في إدراكه بانخراطهم في مناوشات ومشاكسات صغيرة في واقع تتدحرج فيه حمم صخرية ضخمة يتقاذفها بركان العالم.

 

 

 

 

شارك الخبر عبر :
اخبار ذاة صلة