كتب: أحمد عمر
لطالما أثارت اغتيالات رجال السياسة الدولية التي تسجل ضد مجهول زخم وتحقيقات وجدلا ولكن في حالة داغ هامرشولد الأمين العام السابق القوي للأمم المتحدة لم يحدث نفس الإهتمام على الاقل في أحداث مشتابهة مثل اغتيال جون كينيدي فالكثير من يعاصرون هذا الوقت لا يكاد يعرفون حتى إسم هذه الشخصية ثقيلة الوزن من رجال السياسة الدولية التي كانت تلعب دورا مهما في معادلات ودوائر صنع القرار العالمي.
هامرشولد الدبلوماسي والاقتصادي السويدي الذي اغتيل بعد شغل لمنصب الأمين العام للمنظمة الأبرز دوليا لثمانية سنوات والذي يعتبر عمليا من بنى الأمم المتحدة وهياكلها التنظيمية، كان سياسيا قويا ملما بالحالة الفوضوية التي خلفها الاستعمار الاوروبي خاصة في قارة أفريقيا التي خاض من أجلها حرب سياسية ضروس مع الدول الكبرى الرافضة لمنح القارة الاستقلال في ذلك الوقت بالذات.
ومع تصاعد حركات التحرر الوطني المطالبة بالاستقلال بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وإنشاء المنظمة الدولية والتي كان يريد أن يديرها بطريقته حتى أثار ذلك الدول الكبرى فقد كان صامدا في وجه الدول الكبرى مصرًا على حياديته التامة حتى أدركت مع الوقت خطأها منذ البداية عندما قررت بالاجماع تعيينه أمينا عاما.
أظهر “هامرشولد” منذ بدايته قوة في التعامل مع الدول الكبرى الرافضة لتوجهاته فطرد وأغلق مكتب التحقيقات الفدرالي من مبنى الأمم المتحدة تعامل مع الأزمات الدولية وحل أزمة قناة السويس عام ١٩٥٦، أشرف على انسحاب القوات الأمريكية والبريطانية من لبنان والأردن عام ١٩٥٨. وفي مواجهة هذه التحديات الدولية، جمع “هامرشولد” بين القوة المعنوية الكبيرة والبراعة، وأصر على استقلالية منصبه. وبذلك، كوّن انطباعًا راسخًا عن دور ومسؤوليات مؤسسته الدولية في ذلك الوقت.
ولكن أبرز مواقفه والتي أدت فعليا لاغتياله هو موقفه من أزمة الكونغو الديمقراطي وهي أزمة لا تزال لليوم أكثر الأزمات تعقيدا منذ الحرب العالمية الثانية، مخلفة ستة ملايين إنسان ماتوا وقتلوا في بلد مزقته الحروب والأزمات بلد استقل، ولم يكن 1% من الشعب قد تجاوز تعليمهم المرحلة الابتدائية.
السؤال الذي يطرح نفسه ونريد أن نطرحه في هذا المقال ليس من قتل “هامرشولد” بل لماذا قتل !!؟
والملم بالنظام الدولي يعرف جيدًا من الذي يستطيع أن يقتل رئيس أكبر دولة في العالم جون كينيدي ورئيس أكبر منظمة دولية في العالم “هامرشولد” ولا يعرف من هو
إنما لماذا أزمة الكونغو بالتحديد وكيف كان يفكر من قرر من مكان ما إغتياله !!
أزمة الكونغو هي الأزمة الأكثر تعقيدا في العالم وخطوات “هامرشولد” الصحيحة في السلام في الكونغو كان يمكن أن تؤدي إلى سلام، وإذا أدت إلى سلام قد يفتح ذلك الطريق أمام حل الأزمات الأقل تعقيدا من أزمة الكونغو، ويعم السلام في عالم هو نفسه أزماته مصدر رزق لمن يمسك بزمام الأمور خلف الكواليس، والذي لا يمكنهم القبول بأي سلام عادل بين البشر.
فمن قتله كان يرى أن السلام بين البشر قد يضر فعلا بمصالحهم، فالأزمات والحروب مصدر أعمالهم ونشاط لمصانع السلاح وأنشطتهم الاقتصادية القائمة على الربح السريع، والكثير فقد قتلوا البشر ولم يحترموا حقوق الإنسان وعاتوا في الأرض الفساد.
“هامرشولد” ليس الوحيد الذي قتل بسبب الكونغو في وضح النهار بل قتل أيضا “باتريس لوممبا” قبله الذي استعان بالقوات الدولية، ومع ذلك تم قتله. ويثبت هذا الحادث أيضا هذه النظرية وهي أن أزمة الكونغو الديمقراطي يجب أن لا تحل ومن يفكر في الإقتراب منها سيلقى مصير “هامرشولد” و “لوممبا”.
قد وضع “هامرشولد” معايير صعبة في الإدارة والذكاء والشجاعة والحياد، لكل من جاءوا بعده تقريبا كل أمناء الأمم المتحدة حاولوا تقليده والسير على منهجه ولكنهم عجزوا على صنع ولو قليل من ما صنعه سلفهم السويدي.
وصف جون كينيدي الرئيس الأمريكي داغ هامرشولد أنه أبرز رجل دولة في القرن العشرين، منح بعد موته جائزة نوبل للسلام الذي كرس حياته ومنصبه لصنعه في ظروف صعبة متناقضة.