نص حوار هانا تيتة مع الموقع الرسمي للأمم المتحدة

سياسة

– وصلتِ إلى ليبيا منذ نحو شهرين، ما المجالات الرئيسية الذي ركزتِ عليه خلال هذين الشهرين؟
هانا تيتيه: خلال هذين الشهرين، كان هناك عدد من الأمور التي أردت القيام بها. أردت أن ألتقي جميع الأطراف الليبية الرئيسية، ليس فقط للتعريف بنفسي، بل لأفهم وجهات نظرهم حول كيفية دفع العملية السياسية إلى الأمام، ولماذا، من وجهة نظرهم، واجهنا التحديات التي مررنا بها؟ وما رأيهم في اللجنة الاستشارية التي أُطلقت أخيرا، والتي اختارتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا كلجنة فنية لمراجعة التحديات المحيطة بالعملية الانتخابية وتقديم توصيات إلى البعثة حول معالجة هذه القضايا في إطار وضع خارطة طريق جديدة لإخراج البلاد من المرحلة الانتقالية نحو الانتخابات، وحكومة تحظى بدعم قوي من الشعب الليبي. وهذا أمر ضروري لمواجهة بعض التحديات الحالية، مثل الانقسام الفعلي بين الشرق والغرب، واستمرار الانقسام في المؤسسات الوطنية، وهو ما سيكون ضارا جدا إذا استمر.

 

– وماذا سمعتِ من مختلف الأطراف؟
هانا تيتيه: كانت هناك آراء ووجهات نظر مختلفة. اتفق الجميع على ضرورة إجراء الانتخابات، لكن الاختلاف كان حول كيفية تحقيق ذلك. في الغرب، كان الرأي أن الأمر لا يقتصر على تشكيل حكومة تقود البلاد نحو الانتخابات، بل هناك قضايا معينة يجب معالجتها، مثل التوافق على الدستور قبل إجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات، خاصة إعداد الاستعداد التشغيلي للمؤسسات الرئيسية المسؤولة عن إدارة الانتخابات. وفي الشرق، كان معظم ما سمعته يتعلق بتشكيل حكومة جديدة، لتقوم هذه الحكومة بإعداد البلاد للانتخابات.
بالطبع، هذان الرأيان مختلفان تماما باستثناء اتفاقهما على أن الهدف النهائي هو الانتخابات. ومن وجهة نظري، من المهم الإشارة إلى أن جميع المؤسسات الليبية – دون استثناء – قد تجاوزت ولاياتها الأصلية المتعلقة بشرعيتها، ومن المهم ضمان أن يتفهم من يشغلون مناصب إشرافية أن عليهم مسؤولية السماح بإجراء هذه الانتخابات.

– الانتخابات قضية عالقة منذ فترة طويلة على الرغم من الجهود المبذولة من الأمم المتحدة، ما الذي تفعلونه أو تخططون لفعله لجمع الأطراف معا؟

هانا تيتيه: لهذا السبب أنشأت البعثة اللجنة الاستشارية، لتقدم لنا مقترحات لتنظيم الانتخابات. لكن الانتخابات تتطلب عناصر متعددة لضمان نجاحها، فهي ليست هدفا بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق هدف.

– وما هو هذا الهدف؟

أن تكون هناك حكومة مستقرة بتفويض واضح تحظى بثقة شعبها، وبالتالي تكون قادرة على اتخاذ قرارات نيابة عنهم.
هناك عملية للوصول إلى ذلك، وأنا واثقة من إمكان تحقيق ذلك إذا توافرت الإرادة السياسية، والسبب في قولي هذا هو أن ليبيا تمر حاليا بالمرحلة الثانية من تنظيم الانتخابات البلدية، وقد سارت المرحلة الأولى بشكل معقول، وقد جرى تسجيل الناخبين، وهو أحد الأساسيات لإجراء انتخابات وطنية، وهذا يعني أن أحد الركائز الأساسية قد جرى وضعها بالفعل.
– لكن هل لديكم التزام من الأطراف بأنهم سيوافقون على المقترحات التي تنتظرونها الآن بشأن الانتخابات؟
هانا تيتيه: عندما نتحدث مع الأحزاب السياسية الليبية نجد أنهم يريدون إجراء انتخابات، وهناك العديد من الأحزاب السياسية، وهي صغيرة نسبيا، وأعتقد أنه إذا جرى توحيدها في كيانات أكبر فسيكون لها صوت أقوى.
لكن للناس الحق في تشكيل أحزاب سياسية، ومن مسؤوليتهم أيضا، بعد تشكيل الحزب، أن يعبروا عن مواقفهم، ليجذبوا الدعم ويصبحوا أقوى. لذا، من جهة الأحزاب السياسية، لا أعتقد أن هذه هي المشكلة.
القضية تكمن مع الفاعلين السياسيين الرئيسيين، في القيادة، في مؤسسات الحكم اليوم، مثل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. هناك نزاع داخل قيادة المجلس الأعلى للدولة، وبالتالي فإن المنظمة نفسها تواجه مشكلات في الفعالية.
هناك أيضا الانخراط مع الجيش الوطني الليبي، ومع حكومة الوحدة الوطنية، والاعتراف بوجود جماعات مسلحة أخرى لها تأثير كبير. بعض هؤلاء الفاعلين قد لا يرون في الانتخابات مصلحة لهم، ولذلك يجب علينا النظر في مخاوفهم الأساسية، وأن نجد طريقة خلال إعداد خارطة الطريق لمعالجة هذه المخاوف، حتى ينضموا إلى المسار الانتخابي.

– الوضع الاقتصادي يمثل تحديا كبيرا آخر في ليبيا التي من المفترض أن تكون قادرة على تأمين احتياجات شعبها بمواردها الكبيرة، فما الذي تقوم به بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا في هذا الصدد؟

هانا تيتيه: يجب أن نتذكر أن البعثة تعمل ضمن سياق ولايتها، ولكننا أبدينا استعدادنا للعمل مع الطرفين، أي سلطات الأمر الواقع في الشرق، وحكومة الوحدة الوطنية في الغرب، لمحاولة التوصل إلى اتفاق بشأن موازنة موحدة.
ليبيا تملك الموارد اللازمة لتوفير مستوى معيشي مريح لشعبها، فهي من الدول الإفريقية التي لا تُعاني نقص الموارد، بل المشكلة تكمن في إدارة المال العام. لذلك، فإن تنظيم إدارة المال العام أمر حاسم لتوفير الخدمات الاجتماعية والخدمات العامة التي يتوقع المواطنون الليبيون الحصول عليها.
– الوضع الأمني لا يزال هشا، لكن وقف إطلاق النار ما زال قائما.

– كيف هو تواصلكم مع اللجنة العسكرية المشتركة، المعروفة بـ«5+5»، لضمان استمرار وقف إطلاق النار؟

هانا تيتيه: لدينا زملاء في البعثة، ضمن فريق الأمن، يعملون عن كثب مع لجنة «5+5»، وهم يواصلون الانخراط معها، وبفضل جهودهم جرى التوصل إلى بعض نقاط التوافق، ولكنني أول من يعترف بأن هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به من أجل إنشاء مؤسسات أمنية موحدة.
لكن الإرادة السياسية ضرورية لتحقيق ذلك، وللانتقال من وجود حكومة في الغرب وسلطات أمر واقع في الشرق. الانقسام المؤسساتي، إذا لم يجر احتواؤه، قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات العميقة في البلاد.
لهذا نؤكد أن الاتفاق السياسي ضروري للمضي قدما، ولتشكيل حكومة بتفويض شعبي، لتتمكن من اتخاذ القرارات الأساسية، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، وتعزيز إدارة المال العام، وتحقيق تطلعات الشعب الليبي.
ولهذا نؤمن بأهمية العمل مع الأطراف الليبية، ومع المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول ذات المصالح في التسوية السياسية الليبية، ليكونوا شركاء في تحقيق هذا الهدف.

– هذا يقودنا إلى سؤال آخر حول القوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا. ما مدى حجم هذه المشكلة؟ وإلى أي حد تثير قلقكِ؟

هانا تيتيه: هم موجودون. وفي الوضع المثالي، نريد أن تكون قوات الأمن الليبية الموحدة هي المسؤولة عن أمن وسلامة مواطنيها وحماية البلاد، وهذا ما نعمل عليه. لكن مرة أخرى، نعود إلى مسألة الإرادة السياسية.
عند توحيد القوات الأمنية يجب أن تقود الحكومة هذه العملية، ويجب أن تنفذها، حتى يدرك جميع الفاعلين الذين سينضمون إلى المؤسسات الأمنية الموحدة الجديدة أنهم يعملون لمصلحة حكومة واحدة، ودولة واحدة، وتحت سلطة واحدة. لهذا نحتاج إلى انتخابات وحكومة بتفويض.

- في معظم مناطق الأزمات أو الصراعات غالبا ما تُهمّش قضايا المرأة ويجرى تجاهلها. كيف هو الحال في ليبيا؟ وكيف تساعدون في ذلك؟
هانا تيتيه: معظم الدول الأفريقية مجتمعات ذكورية، وليبيا ليست استثناء، فالمجتمع يمنح الامتيازات للرجال على حساب النساء. وللأسف، هذه هي الحقيقة التي نتعامل معها ونحاول معالجتها.
من المهم أن توفر الدولة الليبية الحماية القانونية والمدنية للنساء، لتمكين نصف سكانها من تحقيق طموحاتهن، والإسهام بشكل فعال في تنمية بلدهن. نعلم أنه أحيانا عندما ندافع عن هذه الأمور نواجه مقاومة تستند إلى قيم دينية وثقافية. من المهم أن نُظهر أن تمكين المرأة ليس على حساب القيم التي يؤمن بها المجتمع، بل على العكس، هو دعم لما يجعل المجتمع أكثر تماسكا.
لذلك، تواصل البعثة مناصرة ودعم هذه القضية، وقد عملنا بشكل خاص على مشروع قانون لمنع العنف ضد النساء، ووُضع بدعم من بعثة الأمم المتحدة، ورُفع إلى مجلس النواب، ونأمل أن يجرى إقراره في النهاية، لأنه أداة مهمة لحماية النساء المعرضات للعنف وسوء المعاملة.
وبالطبع، عندما يجرى تمرير قانون ما فهذا لا يعني بالضرورة أن هذه هي الممارسة السائدة، ولكن يعني أنه يوجد ما يستدعي تدخلا قانونيا وتنظيميا لحماية المتضررات. نريد أن نعمل مع زملائنا في فريق الأمم المتحدة ومع منظمات المجتمع المدني الليبي على خلق مزيد من المساحات والفرص للنساء الليبيات.

– في إحاطتك الأولى لمجلس الأمن سمعنا دعما من جميع الأعضاء. ما مدى أهمية هذا الدعم من القوى الإقليمية والدولية لتوحيد الجهود خلف خطة الأمم المتحدة لدفع ليبيا إلى الأمام؟
هانا تيتيه: من المهم دائما الحصول على دعم مجلس الأمن، لأن المجلس يكون أقوى عندما يتحدث بصوت واحد. وعندما يعرف الفاعلون الوطنيون والدوليون الذين لهم تأثير في ليبيا أن المجلس موحد، فإن هامش المناورة يصبح محدودا، ويُدرك الجميع أن الأمم المتحدة تحظى بدعم أعضاء المجلس والدول الأعضاء لدفع مبادراتها.
أنا ممتنة جدا للدعم الذي تلقيته من المجلس، وأتطلع إلى مواصلة العمل معهم لتنفيذ خطتنا، خارطة الطريق، التي نأمل أن تقودنا إلى الانتخابات قريبا.

– وماذا عن دول المنطقة، ماذا تحتاجين منها؟
هانا تيتيه: النوع نفسه من الدعم. الوضع في ليبيا هش، لكن ليس من الحتمي أن يكون كذلك. ليبيا تمر بفترة من عدم الاستقرار، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك حتميا. هناك جماعات مسلحة ومقاتلون أجانب ومرتزقة، ليس من الضروري أن يكون الوضع هكذا.
ليبيا تمتلك الموارد والقدرات البشرية، ولديها الإمكانات لتوفير ليس فقط الحد الأدنى من الأمان والخدمات العامة، بل لتكون محركا للنمو الاقتصادي في شمال أفريقيا. ومن المؤسف أن نراها في هذا الوضع، رغم أنها يمكن أن تكون أفضل بكثير. لذلك من المهم أن تدرك الدول المهتمة بليبيا أن ليبيا اليوم لا تمثل سوى جزء صغير من إمكاناتها، وإذا اتحدت الجهود لإرساء الاستقرار السياسي، فستكون ليبيا قادرة على معالجة قضاياها الأساسية، وستكون شريكا أقوى بكثير.

– سؤالي الأخير: ما هي رسالتك للقادة في ليبيا والشعب الليبي، خاصة النساء والشباب؟
هانا تيتيه: رسالتي لكل الليبيين، وإلى القادة الليبيين، أقول: القيادة لا تتعلق فقط بالحاضر، بل تتعلق بالإرث الذي ستتركونه للمستقبل، وبالطريقة التي سيجرى تذكركم بها، وبإسهامكم في بلادكم. فإذا أردتم أن تتمتعوا بحقوق القيادة، فعليكم تحمل مسؤولياتها بطريقة تترك إرثا يذكركم به الناس بشكل إيجابي.
أما للشعب الليبي، فمن المهم أن يدرك أن القيادة لا تقتصر فقط على من هم في قمة السلطة، بل للجميع فرصة الإسهام بشكل إيجابي. وأشجعهم على ألا يفقدوا الثقة في العملية بسبب ما حدث في الماضي، بل أن يواصلوا العمل مع قادتهم على مختلف المستويات، لبناء الوطن الذي يتطلعون إليه.
وبالنسبة للنساء والفتيات الليبيات، أشجعهن على التمسك بأحلامهن، والإيمان بأنهن قادرات على تحقيقها. أنا منبهرة بإبداعهن، وحماسهن، وإيجابيتهن. إنهن حقا نساء رائعات، ولديهن الكثير ليقدمنه، وأتمنى أن أراهن في المقدمة، يشاركن في بناء ليبيا التي يتمنينها. وآمل أن تتمكن الأمم المتحدة، من خلال بعثة البعثة وبقية وكالاتها، وبالتعاون مع المجتمع الدولي، من دعمهن لتحقيق ذلك.

 

شارك الخبر عبر :
اخبار ذاة صلة