رواسب الماضي وتعقيدات الحاضر حرب البوسنة والهرسك كمثال !!

دولي

كتب: أحمد عمر

تعد الرواسب التاريخية أحد الأسباب الرئيسية وراء إندلاع الحروب في عصرنا الحالي، حيث تتوارث الشعوب هذه الخلافات عبر الأجيال، مما يؤدي إلى تعقيدات في العلاقات بين الثقافات والشعوب، وتصبح الحلول بعيدة المنال رغم الجهود المبذولة لطي صفحة الماضي وبدء مرحلة جديدة من التفاهم والتعايش السلمي.

وأبرز الأمثلة على هذا هي حرب البوسنة والهرسك وهي حرب حديثة إندلعت في تسعينات القرن الماضي حيث شهدت فضائع وجرائم وإنتهاكات راح ضحيتها الآلاف المؤلفة من الأبرياء شيوخ وأطفال ونساء إنتهت باتفاقية سلام سميت إتفاقية دايتون للسلام ، ولكن لماذا حدث هذا النزاع أصلا !

تأثرت المنطقة بالحكم العثماني الذي استمر لخمسة قرون، وكان له تأثيرات كبيرة على الشعوب المسيحية في المنطقة .

حيث إنتهى الحكم الإسلامي في هذه المنطقة وأقيمت على أنقاضها يوغسلافيا الشيوعية التي كانت تنظر مع شعوب الصرب والكروات وغيرها من الشعوب المسيحية إلى كل ماهو مسلم على إنه بقايا الحكم العثماني.

تعرض المسلمين خلال مائة سنة من عمر هذه الدولة إلى كل أنواع الإضطهاد، ومع الوقت بدأت هذه الشعوب بفعل النزعات القومية المطالبة بالإستقلال حتى تفككت تدريجيا على الأرض بدعم الدول الغربية بهدف القضاء على الدولة الشيوعية المقربة من المعسكر الشرقي بقيادة الإتحاد السوفييتي.

ومع بدء تفكك هذه الدولة في بداية التسعينات أعلنت سلوفينيا وكرواتيا ومقدونيا الإستقلال وإنشاء دولهم الخاصة ثم تلتها إعلان البوسنة والهرسك للإستقلال أيضا الإعلان الذي أشعل حرب هي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية في أوروبا .

حيث شعرت شعوب الصرب في البوسنة والهرسك على أن الحكم الإسلامي الذين حاربوه وقاوموه لمئات السنين قد عاد بالفعل ، فقط لأن شعب البوسنة والهرسك في نسبته الأعلى هم من المسلمين .

فنظرة هذه الشعوب لكل ماهو مسلم على إنه إرث عثماني هذه النظرة كانت السائدة ليست فقط بين شعوب البلقان بل كل شعوب اوروبا التي حكمها العثمانيين بمن فيها اليونانيين الذين شاركوا في هذه الحرب بقوة كحلفاء للصرب جمعهم ذلك المذهب الديني وكراهية المسلمين وتاريخهم في هذه المنطقة .

فلم يجدوا سوى شعب البوشناق ليصبوا عليه جام غضبهم ويحملوه مسؤولية ماضي لم يكن لهم فيه يد، حيث أعلن أحد قادة الصرب أن الوقت قد حان للثأر من معركة كوسوفو التي وقعت في القرن الرابع عشر الميلادي، والتي مهدت الطريق لحكم العثمانيين للمنطقة لعدة قرون.

دخلت هذه المنطقة في نزاع دموي إنحازت فيه الأمم المتحدة والغرب للصرب بشكل خاص من دون غيرهم من المسلمين البوشناق والكاثوليك الكروات الذين تحالفوا أحيانا معا ضد الصرب الأرثودوكس إستمرت الحرب لما يقرب من أربع سنوات مخلفة عشرات الألاف من الضحايا إنتهت باتفاق يقسم فيها البوسنة والهرسك إلى منطقتين تضمن ألا تهيمن فيها مجموعة على أخرى يحكمها بشكل أساسي مندوب سامي تعينه الأمم المتحدة.

فشل المجتمع الدولي فشل ذريع في إيقاف المذابح الجماعية حيث تقاعست وإنحازت القوات الأممية حيث إنسحبت الفرقة الهولندية المكلفة بحماية منطقة سبرنيتشا تاركة ألاف البوسنيين لمصيرهم مما سمح للقوات الصربية بالوصول لهذه المنطقة وتنفيذ أكبر مجزرة في تاريخ أوروبا الحديث ما بعد الحروب العالمية على مرء ومسمع العالم.

نتائج الحرب لم تكن في مصلحة أحد خاصة مسلمي البوشناق حيث أجبروا على التخلي عن ثلتي أراضيهم لخصومهم الصرب.

قسمت البلاد إلى كيانين إتحاد البوسنة والهرسك ويضم مسلمي البوشناق والكروات الكاثوليك، وجمهورية صرب البوسنة حيث لا يزال إتفاق دايتون للسلام ساري إلى هذه الساعة مع كل تعقيداته.

إن حرب البوسنة نموذج صغير جدا ومثال حي قريب على أحقاد تاريخية أثرت على التعايش بين الشعوب حاضرا وستؤثر مستقبلا في ظل عدم وجود أي فرصة للشعوب لنسيان ماضيها والتركيز على الحاضر والمستقبل.

شارك الخبر عبر :
اخبار ذاة صلة